ضيفنا التاسع على الكرسي ضيف مثقف (وسيم ربيع )

في الدول العربية مازال النظام السياسي يبتلع المجتمعات دون ان يستفيد من تجارب التاريخ وتراكمات التجربة الانسانية الثقافية والحضارية يا د- جاسر ، وهو ما ادى الى انحسار الثقافة وحتى تقاطعها مع السلطة وبرامجها في كثير من الاحيان، وبالتالي الى تهميشها وتباعدها عن حركة المجتمع وفاعليته في تطوير معايير العمل السياسي.وعلى الرغم من كل ما افرزته تجارب العالم المتحضر من ضرورات استغلال المؤسسات الثقافية عن القوى السياسية التي تقود المجتمع، فان المؤسسة الثقافية في المجتمعات العربية لا تزال مرتبطة قسريا بالنظم السياسية والاقتصادية باكثر مما ينبغي، وهي بحاجة ماسة الى فضاء واسع من الحرية الفردية والجمعية لكي تنتج الثقافة والمثقف الذي يحاول الخروج على السلطة السياسية او يعارضها في وطننا العربي يكون مصيره التخوين والاعتقال والامثلة كثيرة استاذي العزيز.
وفي الوقت الذي تتمتع الكثير من المجتمعات بقدر كبير من الحرية، وهو ما جعلها تحول جهدها الثقافي باتجاه البحث عن مفاهيم غائرة في اعماق الحياة من اجل استمرار تطورها، فان المجتمعات العربية ما زالت مهمومة بقضية الحرية، وهي غير موقنة حتى الان بانها ستحصل عليها.
فالخطاب الثقافي العربي ما زال معزولا عن الناس ومقتصرا على النخبة بفعل قوة السلطة، والمثقف العربي يعاني من اقصاء شديد الوحشة حتى بات مغتربا بين ناسه، والتقرب من السلطة يقتضي التخفي او المهادنة او التملق، الامر الذي جعل من الفجوة بين المثقف العربي والسلطة عميقة ومجهولة المخاطر، وردم هذه الفجوة مقرون بتحرر السلطة من مخاوفها من دور الثقافة على ديمومتها من جهة، ومن دور المثقف في تفعيل الوعي لدى الناس وتحويله الى قوة تشارك في ادارة المجتمع من جهة اخرى، فامراض المجتمع بشكل عام هي انعكاس لاداء السلطة والمحفز الرئيس لحركة المثقف.
واذا كانت السلطة السياسية تتهيب من تأثير الثقافة على مستقبلها وتتجنب مشاركة المثقف في رسم الاهداف وتحديد المسارات فعليها في الاقل ان تتخلى عن هيمنتها على المثقف والثقافة على حد سواء، اذ ان استقلال المؤسسة الثقافية يمثل الخطوة الاولى لحرية المثقف وتحرر الثقافة، وبالتالي فسح المجال لانتاج ثقافة حرة تصب في مصلحة المجتمع ومصلحة السلطة نفسها، فثقافة المجتمع في نهاية الامر تقود الى تثبيت ركائز السلطة، الامر الذي يفرض على السلطة الانخراط في عملية استثمار اقتصادي طويل الامد مع قطاع الثقافة.
وايضا لازم الفشل على مدى قرون جميع المحاولات الجادة لاخراج الثقافة العربية من حالة التلقي الى حالة انتاج الثقافة ذاتها، الامر الذي احال الفكر العربي الى منظومة ليس لها سوى بوابة ضيقة تسمح بالاستقبال وغير قادرة على التصدير، وهو ما ادى الى اخراج الثقافة العربية، بكل تراثها وبكل تاريخها الانساني من دائرة المشاركة الواعية في صناعة الحياة الانسانية، وانعكاس كل ذلك على الوعي السياسي في خلق انظمة سياسية مضطربة تفتقر الى قواعد الفهم الحقيقي للعلاقة الازلية بين الحاكم والمحكومة اي بين السلطة والمجتمع.
والاهمال المتعمد للفكر الثقافي المحلي الذي يمارسه بعض المثقفين بالتحالف مع السلطة والاعتماد على الثقافة الواردة التي ينجزها الفكر الغربي فقط يؤدي بالضرورة الى حالة انفصال مأساوي بين ما نفكر وما نقرأ، بين ما ندرك وما يفعل، ومن ثم الى توقف انتاج الثقافة وضياع فرصة تطوير الهوية الوطنية.
والمفارقة التي يمكن رصدها في الوقت الراهن ان الكثير من الافكار التي تنتج في الغرب يتم رفضها من قبل الغرب نفسه، لكننا في العالم العربي نتحمس لها ونتخاصم من اجلها، حتى ان البعض عدها قضيته الرئيسة اكثر مما هي قضيتهم، فالفكر الغربي لم ينتج فكرا ناجحا دائما، ولم ينتج ثقافة انسانية دائما، ولم ينتج مذاهب خلاقة دائما، والا فأية افكار تنتج الاحتلال؟ وأية ثقــافة تنتج حربين عالميتين؟ وأية مذاهب تنتج احزابا مثل النازية؟.
ليس بالضرورة ان يكون السياسي مثقفا بمعنى ان يكون منتجا للثقافة، لكنه ينبغي ان يكون مثقفا على نحو يجعله قادرا على فهم متطلبات نمو وتطور المجتمع سياسيا واجتماعيا وحتمية عدم انجاز هذا الامر بمعزل عن الثقافة.
كذلك ليس بالضرورة ان يكون المثقف سياسيا بالمفهوم الدارج للسياسة، لكنه ينبغي ان يكون سياسيا الى الحد الذي يكون قادرا على انتاج ثقافة هادفة تعكس حالة الناس بدواعي تأثير السياسة على حياتهم، ان يكون صوت المنبه الذي يوقظ الناس، كون الحياة في ابسط تفاصيلها هي سياسة، وهي حراك سياسي مستمر ليس مقدرا ان ينتهي ما دامت الحياة مستمرة، وكون الثقافة عملية استجلاء دائم للحياة ان تتوقف عند مرحلة معينة او واقعة محددة.
وعلى الرغم من اختلاف المهام التي يضطلع بها كل من المثقف والسياسي، فان الغاية الرئيسة للاداء تبقى متداخلة، بطريقة يغلب عليها طابع التكامل المشروط بالفهم المتبادل لروح العمل السياسي والثقافي وتأثير كل منهما على الاخر وعلى نمو وتطور المجتمع.
ان ترى يا د- جاسر ان اغلبية الثقفين العظام في وطننا العربي هم موجودين في صفوف التيارات المعارضة في بلدانهم او داخل مؤسسات مستقلة في الوقت الذي يجب ان
يكونوا في صفوف السلطة السياسية لاحداث التغيير
ااسف على الاطالة
مشكور استاذي العزيز على مرورك ولك مني كل التقدير والاحترام